GIG Economy

Online Freelancing, Job Creation and Self-Employment

مفهوم العمل الحر (فريلانسنج) قديم حديث واسع ومتعدّد المجالات والنماذج والأدوات، فمصطلح (فري لانسر) أو "المستقل" يعني الحريّة والاستقلالية ويطلق على الشخص الذي يعمل لحسابه الخاص ولا يلتزم بالضرورة بصاحب عمل أو مشغّل معين لفترة طويلة، فهو الى حدّ كبير حرّ في تحديد مشغّله وطبيعة ومكان العمل وبيئته وأوقاته وأسعاره. تعتبر بعض نماذج العمل الحر صوراً من التشغيل الذاتي، حيث يوفّر في أبسط حالاته فرصة عمل للمستقل ويمكن أن يتوسع العمل ويتطوّر ويوفّر فرص عمل لآخرين من خلال تعزيز روح الرياديّة وثقافة الإبداع وتأسيس شركات ناشئة متخصّصة في العمل الحر باستهداف ما يطلق عليهم "الطبقة الإبداعية" والأعمال ذات المردود المادي المرتفع، وهذا ما يجب التركيز عليه خلال تصميم برامج ومشاريع التشغيل ودعم الشباب، ولإنجاح هذه المنظومة لا بدّ من أن يقوم القطاع الخاص عليها حيث يتطلب الأمر خبرات وممارسات عملية واسعة في الرياديّة والعمل الحر والتشبيك الدولي.

تتسارع وتيرة العمل الحر ويزدهر ويتوسّع يوماً بعد يوم، وهناك آلاف الشركات والمشغلين في كافة أنحاء العالم يبحثون يوميّاً عن أشخاص يمتلكون مهارات معيّنة للعمل لصالحهم، فلا يجدر بمن يمتلك أيّاً من هذه المهارات التواني للحظة في الخوض في هذا المضمار المجدي، فالسوق كبيرة والفرصة متاحة للجميع. يبلغ عدد المسجلين على منصات العمل الحر قرابة الـ 40 مليون مستقل وبحجم صناعة قاربت على الـ 20 مليار دولار سنوياً. وبحسب دراسة نشرتها مجلة فوربس مثّل العمل الحر 35% من القوى العاملة في الولايات المتّحدة في العام 2016 وبواقع 55 مليون عامل تقاضوا ما يقارب التريليون دولار في السنة كما أظهر مسح بعنوان "العمل الحر في أمريكا: 2016" والذي نفّذه اتّحاد العمل الحر ومقره نيويورك ويبلغ عدد أعضائه 300,000 عضواً، وذلك بالشراكة مع المنصّة العملاقة للعمل الحر Upwork (أبوورك) ومقرها كاليفورنيا.[1] وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي فقد بلغت هذه النسبة لنفس الفترة في دول الاتحاد الأوروبي 16.1%[2] وفقًا لـ "AskWonder"  للأبحاث، علماً بأنه يعمل في أوروبا 8.9 مليون شخص بشكل حر، في حين تحتل الهند المرتبة الثانية عالمياً بـ 15 مليون عامل حر[3]، وهناك العديد من الدراسات والإحصاءات التي تؤكد على ازدهار الاقتصاد العالمي للعمل الحر منذ العام 2000، وتسارع التوجّه اليه يوماً بعد يوم وبأساليب وأدوات عديدة تطوّرت خلال السنوات الخمس الماضية مع انتشار الانترنت وشملت التجارة الإلكترونية وبيع المنتجات والخدمات والمهارات والإعلام الرقمي وغيرها. ففي بريطانيا مثلاً، قدّر عدد العاملين ضمن التشغيل الذاتي مؤخراً بقرابة الـ 5 مليون أي ما يعادل 15% من القوى العاملة[4]، منهم 1.3 مليون في اقتصاد العمل الحر.[5]

 نسلّط الضوء في هذا المقال على بيع المهارات والخدمات من خلال منصّات ومواقع العمل الحر فمن هذه المنصات ما هو دولي مثل فايفر وفريلانسر وأبوورك ومنها وغيرها، وأخرى عربية كـ "مستقل" و "خمسات" و "أي خدمة" و "بيكاليكا" و"نبّش" وغيرها، وتكون هذه المنصات عامة أو متخصصة، فمنها ما يعرض الآلاف الأعمال والمشاريع العامة وفي تخصّصات ومجالات متنوعّة، وأخرى متخصّصة بمجالات معينة كالتصميم أو البرمجة أو الترجمة وغيرها.

ومن الأمثلة على المهارات المطلوبة لهذا العمل: التصميم بأنواعه كالتصميم الجرافيكي وتصميم الشعارات والثلاثي والهندسي وغيرها، كذلك الترجمة والكتابة وصناعة وتحرير المحتوى، والبرمجة وتطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات المحمول والتدوين وغيرها، علماً بأنه يمكن الاطلاع على هذه المهارات والتوجهات  المستقبلية من خلال العديد من المصادر والإحصاءات التي يتم نشرها وتحديثها بشكل دوري.

يعتبر العمل الحر من خلال الانترنت بكافة أشكاله فرصة حقيقية لتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، وكذلك زيادة دخل وتحسين الوضع المادي لمن يرغب من العاملين والموظفين بدوام كامل أو جزئي من خلال العمل لساعات إضافية خارج أوقات الوظيفة. كما يمتاز العمل الحر من خلال الانترنت بأن تكلفة توفير فرصة العمل فيه بسيطة وتتمثّل بجهاز لابتوب ونفاذ للشبكة العنكبوتية والتي يكاد لا يخلو بيت منها، ويمكن الاطلاع والاستزادة عن ميزات وايجابيات العمل الحر ومقارنته مع الوظيفة الثابتة من خلال العديد من المصادر.

ومن دول المنطقة الرائدة في هذا النوع من العمل الامارات العربية المتحدة ولبنان والأردن ومصر ثم السعودية، وتشير الإحصاءات التي نشرتها بعض هذه المنصّات الى أن النساء مثّلت قرابة ثلث عدد المسجلين على هذه المنصّات، في حين أن غالبية المسجلين والباحثين عن العمل تقلّ أعمارهم عن الـ 35 عاماً معظمهم من الجامعيين.

أما في فلسطين، فبدأ هذا النوع من العمل منذ عدّة سنوات وبجهود فردية وقصص نجاح محدودة، وبدأنا في العام 2012 بدراسة ونشر ما يطلق عليه "الأعمال الصغيرة" و "العمل من البيت" و "العمل عن بعد"، واستقبلنا في فلسطين ممثلين عن أكبر خمس منصات في العالم للتعاون واطلاعهم على السوق الفلسطيني والوقوف على أهم المعيقات وتذليلها، والتي يمكن تلخيصها بمعيقات تتعلق بتحويل واستلام الأموال وموائمة المهارات المتوفرة مع ما هو مطلوب دولياً والمردود المادي المتوقع في حينه. وفي العام 2014 بدأت أعداد المستقلين بالازدياد خاصة في قطاع غزه نظراً للظروف الاقتصادية والسياسية السائدة وما ترتّب عليها من شحّ في فرص العمل والبدائل المتوفرة لدى الشباب سيّما الخريجين منهم، كذلك لتوفّر الجديّة والشغف والمهارات المطلوبة لديهم.

وبما أن المجتمع الفلسطيني فتي وبنسب تعليم عالية ومعدلات بطالة مرتفعة بين صفوف الشباب والخريجين خاصة الفتيات، ننظر لهذا النوع من العمل كوسيلة فعّالة لتمكين المرأة والحدّ من مشكلة البطالة

أعلن المجلس الأعلى للإبداع والتميّز خلال مؤتمر صحفي خاص عقده في العام 2018 عن دعمه لصناعة العمل الحر من خلال الانترنت كخيار استراتيجي لتوفير فرص عمل للشباب الفلسطيني والحدّ من هجرة العقول نظراً لارتفاع معدّلات البطالة سيّما في صفوف الشباب والخريجين وخاصة الفتيات، حيث يوفّر عليهم هذا النوع من العمل عناء السفر والانتقال من مناطق سكناهم للعمل في المدن المركزيّة وما يترتب على ذلك من تبعات ماديّة واجتماعية.

شهد العام 2018 إطلاق أول مشروع ينشر هذه الثقافة ويدعم هذا النوع من العمل على مستوى الوطن يمتاز بأنه يربط العمل الحر من خلال الانترنت بريادة الأعمال والتشغيل الذاتي والشركات الناشئة Freelancing Agencies وبتكامليّة بين القطاع الخاص والأكاديمي، فتدريب المئات في كافة المحافظات ممّن يمتلكون المهارات المطلوبة وفي عدّة تخصّصات مجرّد وسيلة الغاية منها تشكيل فرق عمل وتأسيس شركات متخصصة في العمل الحر وادراجها ببرنامج ارشاد ومتابعة يمتد لعدة أشهر.

لا ينبغي النظر للمستقل على أنه موظف بل هو صاحب عمل مسؤول عن نفسه ويمثل كافة موظفيه “Solopreneur”، فبالإضافة للمهارات الفنية التي يمتلكها والتي تمكّنه من تنفيذ العمل المطلوب، فهو من يسوّق نفسه ويبحث عن العمل ويقدّر سعره والوقت اللازم له ويقدّم العروض ويتعامل مع المشغلين ويفاوضهم، ويمتلك مهارات إدارية واطلاع على الأمور القانونية من حقوق وتعاقد ونزاعات وغيرها، كذلك بعض الأمور المحاسبية والمالية بما فيها أنسب الطرق لتحويل واستلام الأموال وغيرها، لذلك فلا بدّ من أن يمتلك المستقل هذه المهارات ويواكب على تطوير ذاته كمتطلب أساس للنجاح. كذلك يتطلّب هذا العمل صبراً وجلداً وإعداداً جيّداً واطلاع على السوق الدولي، بالإضافة الى استراتيجية واضحة وأسلوب حياة مناسب، حيث التنافس دولي وشديد، ولكن النتيجة لا شك تستحق بذل الجهد المطلوب.

لوحظ أن كثير هم من ينشئون حسابات على هذه المنصات الا أنهم ما يلبثوا أن ينسحبوا منها بعد فترة وجيزة ولا يكملوا المشوار، حيث هناك بعض التحديات والمعيقات التي لا بدّ من الإشارة الى أهمها:

  • نقص الخبرة في أساليب وتقنيات وأدوات هذا النوع من العمل.
  • انتشار بعض المفاهيم المغلوطة في تسويق هذه الثقافة والتي تؤدي الى ارتفاع سقف توقعات الدخل المادي خلال فترة قصيرة، وما يترتب على ذلك من احباط ويأس في حال تأخر النجاح.
  • ضعف أو عدم توفّر المهارات الفنيّة والإدارية والحياتية المطلوبة للعمل من خلال هذه المنصّات كالإدارة الذاتية وإدارة الوقت والتسويق الذاتي وجذب الزبائن والتواصل معهم واتقان اللغة الإنجليزية وتحديد الوقت اللازم للمشروع وتسعيره وكتابة عروض العمل والتقارير، وهنا لا بدّ من الإشارة الى ضرورة اكتساب المهارات المطلوبة وتطويرها باستمرار ومواكبة السوق من خلال التطوّع، والتعلّم الذاتي من خلال العديد من المواقع التعليمية المجانية أو حتى الدورات المدفوعة.
  • ضعف الشغف وعدم التحلّي بالصبر وعدم إتباع نمط حياة مناسب.

الشغف والجدّية والسمات الشخصية وتوفّر المهارات المطلوبة وتخصيص الوقت الكافي وحسن إدارته والصبر ... هي مفاتيح نجاح العمل الحر من خلال الانترنت، فهو ثقافة وأسلوب حياة لا ينجح فيه الجميع رغم أنه متاح للجميع.

  • توفّر بدائل وفرص عمل أخرى بدوام كلّي أو جزئي لدى البعض، وبالتالي عدم تخصيص الوقت والجهد الكافيين للعمل على هذه المنصّات ومتابعتها وتقديم العروض وتنفيذ الأعمال بالجودة المطلوبة.
  • خصوصية فلسطين فيما يتعلق بالأمور المالية من تفعيل حسابات وبطاقات وتحويل أموال وبنوك ورسوم واقتطاعات ووسطاء والوقت اللازم لذلك، فالعديد من الوسائل المتبعة دولياً والبنوك لا تدرج فلسطين في قائمة الدول التي تتعامل معها ومثال على ذلك بيونير، كذلك لا تقدّم كافة الميّزات المتوفّرة لديها ولا تفعّل بعضها بطاقاتها على البنوك المحليّة.

.وسيلة شائعة مشدّدة الحماية على شبكة الإنترنت لسحب الأموال من الإنترنت واستلامها - PayPal

وخلال السنوات القليلة الماضية طرأ تقدّم في هذا الجانب حيث يعمل مئات المستقلين من خلال هذه المنصات ويستلمون أموالهم من خلال البنوك المحلية ودون الحاجة الى اللجوء لوسطاء أو التسجيل من دول أخرى كما كان الحال في السابق مع بعض الاستثناءات في قطاع غزه

نرى أن للجامعات دور كبير في نشر ثقافة العمل الحر من خلال الانترنت ودعمه من خلال طرح مادة أو مساق اختياري نوعي لكافة التخصصات تقدّم للطلبة قبل تخرجهم خياراً يمكن لهم الاستفادة منه والعمل عليه خلال الدراسة أو بعد التخرّج على غرار ما بذل من جهود في مجال ريادة الأعمال، مع مراعاة أن من يدرّس هذا المساق ممارسون متمرسون من القطاع الخاص والعمل الحر.

كذلك يمكن توجيه  وإرشاد الباحثين عن العمل ممن يمتلكون مهارات مناسبة من خلال مكاتب التشغيل التابعة لوزارة العمل ومجالس التشغيل المنتشرة في كافة المحافظات ووحدات التوظيف ومتابعة الخريجين التابعة للجامعات مع التركيز على أن هذا النوع من العمل لا يقتصر على تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب وان كان نصيبها وفيراً منه بل يتعداها الى عشرات التخصصات الأخرى.

  • ارتباط الخريجين غالباً بتخصصاتهم الجامعية، وهنا لا بدّ من الإشارة الى العديد من قصص النجاح التي تحققت من خلال عمل العديد من الشباب بأعمال تتطلب مهارات لا تمتّ بصلة لمجال دراستهم أو تخصصهم كالرسم والتصميم والترجمة والكتابة والإلقاء وغيرها مع ضرورة التمييز بين التخصص الدراسي والمهارات التي يمتلكها ويكتسبها ويعمل بها المستقل.

للعمل الحر إيجابيات وسلبيات كما هو حال الوظيفة التقليدية أو الثابتة، ومن هنا وقبل البدء بهذا العمل أو حتى إنشاء حساب على إحدى المنصّات لا بدّ من فهم طبيعته وما يتطلّب وما يترتّب عليه ومدى ملائمته لكل منّا لزيادة نسبة النجاح فيه، ويتأتى ذلك من خلال الاطلاع على آلاف المدوّنات والمواقع الإلكترونية وقنوات اليوتيوب المتوفرة ومقاطع الفيديو وتجارب مستقلين محترفين ناجحين ودراسات واحصاءات وتقارير وغيرها

 

 م. حسن عمر -  ت2 /  2018

[1] https://www.forbes.com/sites/elainepofeldt/2016/10/06/new-survey-freelance-economy-shows-rapid-growth/

[2] https://www.weforum.org/agenda/2017/08/why-the-future-of-work-could-lie-in-freelancing

[3] https://bit.ly/2qew8ng

[4] https://www.wired.co.uk/article/what-is-the-gig-economy-meaning-definition-why-is-it-called-gig-economy

[5] https://www.cipd.co.uk/knowledge/work/trends/gig-economy-report